حكم التداول في الأسهم العالمية: متى يكون جائزًا؟

مع تزايد اهتمام الأفراد بالاستثمار والتداول في الأسواق العالمية، أصبح من الشائع أن نرى متداولين من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم المسلمون، يضخون أموالهم في الأسهم الأمريكية، الأوروبية، والآسيوية عبر الإنترنت. وتوفر المنصات الرقمية اليوم وصولًا سهلًا وسريعًا إلى آلاف الشركات العالمية المدرجة في البورصات الكبرى مثل ناسداك، نيويورك، ولندن.
لكن في ظل هذا الانفتاح المالي، يبرز تساؤل مهم لدى المستثمر المسلم: ما حكم التداول في الأسهم العالمية؟ وهل يُعد استثمارًا مشروعًا وفق الشريعة الإسلامية؟
هذا المقال يسلّط الضوء على الجوانب الفقهية والعملية لهذا الموضوع، ويُوضّح متى يكون تداول الأسهم العالمية جائزًا، وما الشروط التي يجب توفرها لضمان التزام الاستثمار بالضوابط الشرعية.
أولًا: ما المقصود بالأسهم العالمية؟
الأسهم العالمية هي حصص ملكية جزئية في شركات مدرجة في أسواق المال خارج الدولة المحلية للمستثمر. وتُباع وتُشترى هذه الأسهم في البورصات العالمية مثل:
-
بورصة نيويورك (NYSE)
-
بورصة ناسداك (NASDAQ)
-
بورصة طوكيو (TSE)
-
بورصة فرانكفورت (FWB)
تتيح المنصات الحديثة مثل Interactive Brokers، eToro،
ثانيًا: حكم تداول الأسهم في الإسلام
الأصل في التعامل بالأسهم هو الجواز
إذا كانت الشركة التي تُتداول أسهمها:
-
تعمل في نشاط مباح (مثل التكنولوجيا، الصناعات، الأغذية، الطاقة النظيفة).
-
لا تتعامل بالربا بشكل جوهري أو تعتمد عليه في أرباحها.
-
لا تودع أموالها في حسابات بفوائد أو تستثمر في أدوات مالية محرمة.
قال تعالى: "وأحل الله البيع وحرّم الربا" [البقرة: 275]
ولذلك فإن الأسهم تمثل جزءًا حقيقيًا من شركة، ويجوز للمسلم أن يشتري ويبيع فيها إذا كانت الشركة نفسها تتوافق مع ضوابط الشريعة.
ثالثًا: متى يكون تداول الأسهم العالمية جائزًا؟
1. أن تكون الشركة تعمل في نشاط مباح
يُمنع الاستثمار في الشركات التي تزاول أعمالًا محرمة مثل:
-
البنوك الربوية التقليدية
-
شركات الخمور أو التبغ أو المقامرة
-
شركات إنتاج الأسلحة المحرمة أو المواد الإباحية
-
شركات التأمين التجاري غير التعاوني
2. أن لا تعتمد الشركة على القروض أو الودائع الربوية
حتى إن كان نشاط الشركة الأساسي مباحًا، فإن التعاملات المالية المحرّمة (مثل القروض بفائدة أو الاستثمار في سندات) تُعتبر مخالفة. وقد أجازت بعض الهيئات الشرعية الاستثمار في الشركات ذات المخالفة الثانوية البسيطة، بشرط:
-
أن لا تزيد نسبة القروض أو الودائع الربوية عن 30%.
-
أن تتم عملية تطهير الأرباح لاحقًا من أي جزء ربوي.
3. عدم المضاربة المحرّمة على الأسهم
حتى وإن كانت الأسهم مباحة، فإن طريقة التداول عليها قد تجعلها محرّمة، مثل:
-
التداول باستخدام الرافعة المالية الربوية.
-
المضاربة على فروقات الأسعار دون امتلاك السهم الفعلي.
-
العقود مقابل الفروقات (CFDs) على الأسهم،
4. توفر نية الاستثمار المشروع
المتاجرة اليومية (Day Trading) ليست محرّمة في ذاتها، بشرط أن:
-
لا تقوم على المقامرة أو الحظ.
-
تعتمد على تحليل واقعي للسوق.
-
لا تستخدم أدوات غير شرعية.
رابعًا: ما الفرق بين شراء الأسهم العالمية وتداولها عبر العقود المشتقة؟
العنصر | شراء الأسهم الفعلي | التداول بالعقود المشتقة (CFDs) |
---|---|---|
التملك | يتم تملك السهم فعليًا | لا يوجد تملك حقيقي |
الفوائد | لا تُفرض فوائد تبييت إذا تم الشراء الكامل | غالبًا تُفرض فوائد يومية |
المشروعية | جائز إذا توفرت الشروط الشرعية | محل خلاف شرعي، غالبًا غير جائز |
الأمان | أكثر أمانًا للمستثمر المسلم | يتضمن مخاطر كبيرة وممارسات غير شرعية |
خامسًا: كيفية التأكد من مشروعية السهم العالمي
هناك عدد من الأدوات والمواقع التي تساعدك في فحص الأسهم من حيث التوافق الشرعي، مثل:
-
موقع Zoya.finance: تطبيق يقدّم تصنيفًا شرعيًا للأسهم العالمية.
-
Islamicly App: مرجعية موثوقة للأسهم الحلال في الأسواق العالمية.
-
قوائم الشركات الإسلامية في Dow Jones Islamic Index وFTSE Shariah Index
كما يمكن الاستعانة بمستشار شرعي أو مالي مختص للمساعدة في غربلة الأسهم وفقًا للمعايير الشرعية.
سادسًا: تطهير الأرباح من الأسهم المختلطة
في حالة الاستثمار في شركة مباحة النشاط ولكن لديها معاملات مالية محرمة بسيطة (مثال: تودع جزءًا من أموالها بفوائد)، يجب على المسلم أن:
-
يحسب نسبة الإيرادات المحرّمة من الأرباح.
-
يقوم بتطهير تلك النسبة بالتبرع بها في وجوه الخير دون نية التقرّب.
هذا الإجراء منصوص عليه في قرارات المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية.
سابعًا: أفضل النصائح للتداول الحلال في الأسهم العالمية
-
اختر شركة وساطة تقدم تداولًا فعليًا وليس عقود فروقات.
-
تأكّد من شرعية نشاط الشركة وتجنب الشبهات.
-
استخدم حساب تداول إسلامي خالٍ من فوائد التبييت.
-
استثمر وفقًا لاستراتيجية واضحة وليس بناءً على العاطفة أو الحظ.
-
تابع الأخبار المالية بحكمة ولا تدخل في صفقات بناءً على الإشاعات.
-
استعن بمصادر تصنيف الأسهم الحلال قبل كل صفقة.
الخلاصة
إن تداول الأسهم العالمية جائز شرعًا بشرط أن يتم وفقًا لضوابط الشريعة الإسلامية. وهذا يشمل اختيار الشركات ذات النشاط المباح، تجنّب التعاملات الربوية، الابتعاد عن الأدوات المحرّمة مثل العقود المشتقة غير المملوكة، والحرص على تطهير الأرباح إن لزم الأمر.
ولأن الاستثمار مسؤولية، يجب على المسلم أن يوازن بين الربح الدنيوي والامتثال الشرعي، وأن يكون واعيًا بطبيعة الأدوات التي يستخدمها. فكما أن الأسواق العالمية مليئة بالفرص، فهي أيضًا مليئة بالمخاطر والشبهات، ولا بد من التسلّح بالعلم والحكمة والتقوى.
تعليقات المستخدمين