تطهير الأرباح: كيفية التعامل مع الإيرادات المحرمة في الاستثمار الإسلامي

مع توسّع النشاط الاستثماري للمسلمين حول العالم، خاصة في مجالات مثل الأسهم، الصناديق الاستثمارية، والعقارات، أصبحت مسألة تطهير الأرباح من أهم القضايا الشرعية التي تشغل بال المستثمر المسلم. فحتى مع الالتزام باختيار أدوات مالية متوافقة مع الشريعة، قد تحتوي بعض الأرباح على جزء محرّم ناتج عن معاملات غير مشروعة مثل الفوائد الربوية أو النشاطات المحظورة شرعًا.
في هذا المقال المفصّل، نضع بين يديك دليلًا شاملًا حول تطهير الأرباح، نشرح فيه معنى التطهير، متى يكون واجبًا، كيف يتم احتسابه، وما الفرق بين الاستثمار في الشركات النقية والمختلطة، بالإضافة إلى آراء الهيئات الشرعية حول آليات التطهير العملية.
ما معنى تطهير الأرباح؟
تطهير الأرباح هو عملية إخراج الجزء المحرّم من العوائد المالية الناتجة عن استثمار معين، والتبرّع به بدون نية التقرّب أو الثواب،
غالبًا ما يتم التطهير في الحالات التالية:
-
عند الاستثمار في شركات مختلطة (تجمع بين نشاط مباح وتعاملات محرّمة).
-
عند استلام عوائد من أدوات مالية لم تُراعَ فيها الضوابط الشرعية بنسبة 100%.
-
عند الاكتشاف المتأخّر لوجود مصدر محرم في الدخل مثل الفوائد أو الأرباح الربوية.
الفرق بين الشركة النقية والمختلطة
1. الشركة النقية:
هي التي يكون نشاطها مباحًا بالكامل ولا تمارس أي معاملة محرّمة، مثل الاقتراض الربوي أو الاستثمار في الخمور.
-
لا حاجة لتطهير الأرباح.
-
يجوز للمستثمر المسلم الاحتفاظ بكامل العوائد.
2. الشركة المختلطة:
هي التي يكون نشاطها الأساسي مباحًا، لكنها تتعامل بشكل جزئي مع أنشطة محرّمة مثل:
-
فوائد على الودائع أو القروض.
-
إيرادات من أنشطة غير مشروعة.
-
يجب تطهير الأرباح الناتجة عن هذه الأنشطة وفق نسب محددة.
-
يجوز الاستثمار بها بشروط، وفق رأي أكثر العلماء المعاصرين.
متى يجب على المستثمر المسلم تطهير أرباحه؟
-
عند الاستثمار في سوق الأسهم، خاصة في الشركات المختلطة.
-
عند شراء أسهم في صناديق استثمارية لا تطبّق التطهير التلقائي.
-
عند المشاركة في صكوك أو أدوات مالية يكتشف فيها جزء محرم.
-
عند وجود عوائد من فوائد ربوية غير مقصودة في الحسابات البنكية أو محفظة الاستثمار.
كيفية تطهير الأرباح: خطوات عملية
الخطوة 1: تحديد مصدر الدخل المحرّم
قم بمراجعة التقارير المالية أو النسب التي تنشرها الهيئات الشرعية أو شركات إدارة الأصول لتحديد نسبة النشاط المحرّم.
الخطوة 2: حساب نسبة التطهير
غالبًا ما تُعبّر النسبة المحرّمة عن نسبة من الإيرادات المحصلة وليس من رأس المال.
مثال:
-
دخل سنوي من الاستثمار = 10,000 دولار
-
النسبة المحرّمة = 3%
-
المبلغ الواجب تطهيره = 10,000 × 0.03 = 300 دولار
الخطوة 3: إخراج المبلغ المحرّم
-
يُخرج المبلغ إلى جهات خيرية لا تقبل التبرعات المحرّمة لغرض الأجر (مثل دعم البنية التحتية العامة، المرافق الصحية، تنظيف المساجد...).
-
يُشترط عدم احتساب هذا التبرع كصدقة أو زكاة.
من يقوم بعملية التطهير؟
الحالة | من يتحمّل مسؤولية التطهير |
---|---|
صندوق استثماري إسلامي مرخّص | تقوم به إدارة الصندوق تلقائيًا |
مستثمر فردي في شركات مختلطة | يجب عليه القيام به بنفسه |
من يتعامل مع وسطاء غير إسلاميين | عليه البحث والتقدير الشخصي للتطهير |
شراء أسهم عبر منصات تداول عامة | يجب التحقق من نوع الشركة ونسبة التطهير |
أدوات مساعدة لتحديد نسبة التطهير
-
موقع Zoya App: يعرض معلومات شرعية حول الأسهم ونسب التطهير.
-
Islamicly App: يقدم تحليلًا شرعيًا دقيقًا لأكثر من 40,000 شركة حول العالم.
-
تقارير التطهير من الشركات الإسلامية مثل الراجحي المالية، الجزيرة كابيتال، الإنماء للاستثمار.
آراء فقهية مهمة حول التطهير
-
مجمع الفقه الإسلامي الدولي: يجيز الاستثمار في الشركات المختلطة بشرط التطهير.
-
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI): وضعت معايير واضحة لحساب النسب المحرّمة وطرق إخراجها.
-
دار الإفتاء المصرية: توصي بتطهير المال المتشبه فيه أو المشكوك في مصدره.
الفرق بين الزكاة وتطهير الأرباح
العنصر | الزكاة | تطهير الأرباح |
---|---|---|
الركن الشرعي | أحد أركان الإسلام | وسيلة لتنقية المال فقط |
النية | بنية التعبد والتقرّب لله | بلا نية أجر |
النسبة | 2.5% من المال الزكوي | تعتمد على نسبة الدخل المحرّم |
الجهة المستفيدة | المستحقون للزكاة | أي جهة لا تقبل أموال الربا كتصدق |
أمثلة عملية على تطهير الأرباح
مثال 1: استثمار في شركة مختلطة
-
استثمرت 20,000 ريال في شركة نشاطها الأساسي مباح لكن لديها إيرادات محرّمة بنسبة 4%.
-
في نهاية العام حصلت على 2,000 ريال أرباح.
-
التطهير: 2,000 × 0.04 = 80 ريالًا يجب تطهيرها.
مثال 2: فائدة غير مقصودة من بنك تقليدي
-
حصلت على 100 ريال كفائدة بنكية من حساب قديم.
-
لا يجوز الانتفاع بها، بل يجب إخراجها بالكامل دون نية الأجر.
الأسئلة الشائعة
هل يجب التطهير إذا كانت نسبة الحرام صغيرة جدًا؟
نعم، حتى لو كانت النسبة 1%،
هل يجوز استخدام المال المحرّم في الأعمال الخيرية؟
يجوز التبرع به بدون نية الأجر، في مجالات مثل الصيانة، المرافق العامة، لا في بناء المساجد أو طباعة المصاحف.
ماذا أفعل إذا لم أستطع معرفة النسبة المحرّمة؟
استعن بالهيئات الشرعية أو استخدم النسبة الموصى بها في الشركات المشابهة، أو قدّر بنسبة تحفظية أعلى.
هل يُغني التطهير عن الزكاة؟
لا. فالتطهير يخص إزالة المال المحرّم، بينما الزكاة عبادة مستقلة واجبة في حال توفر شروطها.
خاتمة
تطهير الأرباح هو واجب شرعي وأخلاقي على كل مسلم يسعى لكسب المال الطيب. ومع انتشار فرص الاستثمار في شركات وأسواق عالمية، يظل من الضروري لكل مستثمر مسلم أن يُراقب مصادر أمواله، ويتعامل مع الإيرادات المحرّمة بحزم ومسؤولية.
فالتجارة الرابحة لا تُقاس فقط بالأرباح، بل ببركة المال وصفائه، وقد قال رسول الله ﷺ:
"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا."
تعليقات المستخدمين